للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربط. وربط الأخلاف لازم التصرية في عادة العرب، وذلك أنها إذا لم تُربط رضعها ولدها، أو حلبها محتاج. وكان العرب يتسامحون في حلب إبل غيرهم إذا لم تكن مصرَّاة، يعدُّون عدم تصريتها بمنزلة الإذن لمن يحتاج في حلبها. قال الشاعر (١):

[١/ ٤٠٦] قد غاث ربُّك هذا الخلقَ كلَّهُمُ ... بعامِ خصبٍ فعاش الناسُ والنَّعَمُ

وأبهلُوا سَرْحَهم من غير توديةٍ ... ولا ذيارٍ ومات الفقرُ والعَدَمُ

يعني أرسلوها غير مصرَّاة لاستغنائهم عن اللبن، فلا يبالون أن ترضعها أولادُها أو يحلبها من شاء.

وفي الحديث: «لا يحلبنَّ أحدٌ ماشيةَ امرئ بغير إذنه، أيحبُ أحدُكم أن تُؤتَى مَشْرُبتُه فتُكسرَ خزانتُه ... » (٢). وجاءت أحاديث أخرى بالإذن، منها حديث أبي سعيد مرفوعًا: «إذا أتيتَ على راعٍ فنادِه ثلاثًا، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تُفسِد» (٣). وجمع بعض أهل العلم بين الأحاديث بأن النهي محمول على المصرّاة؛ لأن تصريتها علامة على عدم الإذن، والإذن في غيرها؛ لأن ترك التصرية دليل على الإذن. وهذا أقوى ما تُحْمَل عليه


(١) البيتان في «الصحاح»: (٢/ ٦٦٦)، و «اللسان»: (٤/ ٣١٣ و ١١/ ٧١) أنشدهما الكسائي من غير عزو.
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٣٥)، ومسلم (١٧٢٦) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه أحمد (١١٨١٢)، والطحاوي في «مشكل الآثار»: (٢٨٢٤) والحاكم: (٤/ ١٣٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي إسناده ضعف، وله شواهد يتقوى بها.