أبو حسان: وما رأيتُ محمدًا يعظِّم أحدًا إعظامَ الشافعي».
ومن تدبَّر مناظرات الشافعي لمحمد وجدها مناظرة الأكفاء، وعلم منها أن الشافعي كان حينئذ مجتهدًا كاملًا، وأن محمدًا كان ــ مع مكانته من الفقه والسن والمنزلة من الدولة وكثرة الأتباع ــ على غاية من الإنصاف في البحث والنظر. والإنصاف أنه كان لتلك المناظرات أثر في الرجلين فاتفقا على مسائل رجع فيها الشافعي عما كان يتابع فيه مالكًا، أو رجع محمد عمَّا كان يتابع فيه أبا حنيفة. ومن تصفح كتب الحنفية التي يُذكر فيها قول الشافعي ظهر له صحة ما قلنا، وواضح أنه لا يلزم من هذا أن يتفقا في جميع المسائل التي تناظرا فيها.
ومن براعة الشافعي الفائقة ومهارته الخارقة: أنه يجمع في مناظرته بين لطف الأدب وحسن العشرة واستيفاء الحق حتى في التشنيع. ساق في كتاب «اختلاف الحديث» بابًا تراه في هامش «الأم»(ج ٧ ص ١٠٥ - ١٢٥) في أحكام الماء، وفيه ذكر القلتين وغير ذلك، وذكر الأحاديث ومناظرة مع من لم يسمّه، لكن يتبين بالسياق أنها مع محمد بن الحسن إلى أن قال (ص ١١٥): «وقلت له: وما علمتكم اتبعتم في الماء سنةً ولا إجماعًا ولا قياسًا، ولقد قلتم فيه أقاويل لعله لو قيل لعاقل: تخاطأْ، فقال ما قلتم لكان قد أحسن التخاطؤ»! ثم ذكر الأحاديث وسأله: [١/ ٤٢٤] أثابتة هي؟ فاعترف بثبوتها، فقال (ص ١١٦): «فقلت له: لقد خالفتَها كلَّها، وقلتَ قولًا اخترعته مخالفًا للأخبار خارجًا من القياس. قال: وما هو؟ قلت: اذكر القَدْر ... قال: الذي إذا حُرِّك أدناه لم يضطرب أقصاه». فأجابه، ثم ساق الكلام إلى أن قال (ص ١٢٠): «قلت ... إني لأحسبكم لو قال هذا غيركم لبلغتم به أن تقولوا: