للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعرفهما بانحراف، نعم هؤلاء كلهم مخالفون لأبي حنيفة في المذهب، والمخالفة لا تقتضي اطِّراح جرح المخالف البتة. وقد قبل الناس من يحيى بن معين وغيره من الأئمة جرحَهم لكثير من الرواة المخالفين لهم في المذهب. والجرحُ غير المفسَّر قد تقدم في القواعد (١) البحثُ فيه وأن التحقيق أنه مقبول من أهله إلَّا أن يعارضه توثيق أثبت منه. وبالجملة فالذي يُخشى من جرح المخالف ومن الجرح الذي لم يفسَّر هو الخطأ، فمتى تبيَّن أو ترجَّح أنه خطأ لم يؤخذ به.

والإمامة في الفقه لا تستلزم الثقة في الحديث، ولا يضرُّ الحنفيَّةَ أن يثبت أن أبا حنيفة ممن لا تقوم الحجة بما يتفرد بروايته. ولاتكاد توجد لهم مسألة يمكن أن يستدلوا عليها بشيء تفرَّد أبو حنيفة بروايته إلَّا وهم يستدلون عليها بأشياء أخرى. وقد استدل بعضُهم على الشافعي بحديث أبي حنيفة عن عاصم في المرتدة، فلما رُدَّ عليه ذلك لم يكابر، بل قال: «إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس ... » كما تقدم في ترجمة الشافعي (٢). وكما أن الإنصاف يقضي أن لا يُتخذ ما ثبت عن الأئمة كسفيان الثوري وغيره من قولهم في أبي حنيفة ما يقتضي أنها لا تقوم الحجة بما ينفرد بروايته ذريعةً إلى الطعن في فقهه جملةً وفي مذهبه، فكذلك يقضي أن لا يُتَّخذ ما يستدَلُّ به على فقهه جملةً ذريعةً إلى ردِّ كلام أئمة الفن في روايته. وأقتصر هنا على هذا القدر. وأسأل الله تعالى التوفيق.


(١) (١/ ١٠٠ - ١٠٤).
(٢) رقم (١٨٩).