للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو يقيموا على مخالفته له دليلًا آخر. أما نحن فنقول بدلالة مفهوم المخالفة، ولكننا نقول: ليس وجه المخالفة ما توهَّمه الحنفية أو بعضُهم حتى قال بعضُهم (١): "إناءان ماءُ أحدِهما طاهر، والآخر نجس، فصُبَّا من مكان عالٍ، فاختلطا في الهواء، ثم نزلا= طهُرَ كلُّه! ولو أُجريَ ماءُ الإناءين في الأرض صار بمنزلة ماء جار"! وقال بعضهم (٢): "لو حفر نهرًا من حوض صغير، أو صبَّ رفيقُه الماءَ في ميزاب وتوضأ فيه، وعند طرفه الآخر إناءٌ يجتمع فيه الماءُ= جاز توضُّؤُه به ثانيًا وثم وثم"! وذكروا أن هذا معتبر حتى على القول بنجاسة الماء المستعمل.

وقضية هذا أنه لو عمد إلى جرَّةٍ يصبُّ الماءَ منها في ميزاب، وقعد آخر على وسط الميزاب يبول فيه ويسيل بوله مع الماء، وعلى طرف الميزاب إناء يجتمع فيه ذاك الماء= كان ذاك الماء الذي خالطه البول واجتمع في ذاك الإناء طاهرًا مطهرًا، مع أنه لو وُضع في الجرة ابتداءً شيء يسير من ذاك البول لصار ماؤها نجسًا!

ولا يخفى أن مثل هذا الفرق لا يُعقَل له وجه. وإنما الماء الجاري الخارج بمفهوم المخالفة في الحديث هو ــ بمقتضى التبادر والنظر ــ ما كان جاريًا بطبعه كالأنهار والعيون، مما ليس مفسدة البول فيه كمفسدة البول في الراكد، فإن الراكد يختلط به البول ويبقى بحاله؛ فإن اغتسل منه البائل وغيره كان مغتسلًا بماءٍ مخالطُه البول من أول اغتساله إلى آخره. وأما الجاري كماء النهر، فإن الدفعة التي وقع فيها البول تذهب فورًا ولا تعود، فلا يمكن


(١) كما في "حاشية ابن عابدين" (١/ ١٨٧، ٣٢٦).
(٢) كما في "حاشية ابن عابدين" (١/ ١٨٨).