ذلك عند غيره. فلا يَخْدِش في تواتر الرفع مخالفةُ بعض التابعين من الكوفيين، إذ لا يلزم من تواتره عند غيرهم تواترُه عندهم. بل عرضت لأولهم شبهة الترك فتوهموا ــ أو بعضهم ــ أنه غير مشروع، كما توهَّم غيرُهم مِن تركِ عثمان وغيره تكبيراتِ الخفض والرفع أو الجهر بها أن ذلك غير مشروع، حتى أنكروه على أبي هريرة كما تقدم. ثم جاء بعدهم من الكوفيين مَن بلغته الأحاديث والآثار، ولعلها تواترت عنده، فلم تطِبْ نفسُه بترك ما ألِفَه واعتادَه، وفرَّ إلى احتمال النسخ، ورأى أن الترك أحوط له وأطيب لنفسه.
وقد اعترف الكوثري بتواتر الرفع عن جماعة من الصحابة، وذلك يستلزم (١) تواتره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه فعلٌ تعبُّدي في الصلاة، لو لم يعلموا أنه مشروع وفعلوه: فإن فعلوه لا على وجه التعبد كان تلاعبًا بالصلاة وإيهامًا لمشروعية ما لم يشرعه الله، وذلك كذبٌ على الله ورسوله ودينه؛ وإن فعلوه على وجه التعبد فذلك صريح البدعة [و] الضلالة، والكذب على الله، والتكذيب بآياته. فبهذا يثبت قطعًا أنهم كانوا يعتقدون أنه مشروع، ويمتنع اعتقادُهم ذلك من جهة الرأي، إذ لا مجال للرأي فيه. على أن الرأي إنما يُصار إليه في إثبات الفعل إذا لم يُعلَم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تركه تركًا مستمرًّا مع قيام السبب وانتفاء المانع. ويمتنع على الذين تواتر عنهم الرفعُ أن يجهلوا جميعًا أكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفع أم لا، بعد أن طالت صحبتهم له ومراقبتهم لصلاته كما أُمِروا به.