للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢/ ٤١] قلت: في صحة ذلك عنهما كلام، كما ترى في "فتح الباري" (١). ولو صح أمكن أن يكون مرادهما بالترخيص ما ذكره ابن عباس من احتجامه - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم في سفره، وقد مرَّ ما فيه.

وأما التأويل بصرف النص عن ظاهره، فلا مسوِّغ له. والله أعلم (٢).


(١) (٤/ ١٧٨).
(٢) قلت: لا شك أن التأويل المذكور لا مسوغ له، ولكني أرى أن الجواب الصحيح هو أن الحديث منسوخ بنص حديثي أبي سعيد وأنس المذكورين، فإنهما حديثان صحيحان، له عن أبي سعيد طريقان، أحدهما صحيح، وعن أنس ثلاث طرق أحدها صحيح أيضًا، وأما الكلام الذي أحال المصنف فيه على "الفتح" فليس فيه ما يمكن أن يكون علة في الحديث لاسيما إذا نظر إليه من جميع طرقه، فإن كثرة الطرق للحديث تدل على أن له أصلًا، فكيف إذا كان بعض مفرداتها صحيحًا في نفسه، وليس هذا مجال شرح ذلك، ومحله في "إرواء الغليل" (٩٣١)، ولكن لا بأس من الإشارة إلى شيء من كلام الحافظ رحمه الله مع التعليق الموجز عليه، قال في بعض طرق أنس: "ورواته كلهم من رجال البخاري، إلا أن في المتن ما ينكر لأن فيه أن ذلك كان في الفتح، وجعفر كان قتل قبل ذلك".
قلت: وهذا سهو من الحافظ رحمه الله، فإنه ليس في الحديث ذكر للفتح أصلًا، وعليه فالحديث صحيح لا نكارة فيه، والعجيب أن الحافظ ادعى ما سبق بعد أن ذكر الحديث بدون ذكر الفتح، وهذا لفظه: "أخرجه الدارقطني ولفظه: "أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: أفطر هذان، ثم رخصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم. رواته كلهم ثقات ... ". وهكذا هو عند الدارقطني في "سننه" (ص ٢٣٩).
وإذا عرفت هذا اللفظ الصريح في النسخ يتبين لك أن قول المؤلف رحمه الله: "ولو صح أمكن أن يكون مرادهما بالترخيص ما ذكره ابن عباس ... " أنه غير ممكن، فتأمل. [ن].