المدعي أن يكون حريصًا على إظهار كلِّ ما يؤمِّل أن ينفعه، فلو كان له شاهد وامرأتان، أو شاهد فقط، أو امرأة واحدة، وقيل له:«شاهداك أو يمينه» = لقال: لا أجد شاهدين، ولكني أجد كذا. وقد نازع في تحليف المدعى عليه كما في بقية القصة، فإن فيها «قلت: يا رسول الله ما لي بيمينه؟ وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري، إن خصمي امرؤ فاجر». أفتراه ينازع في هذا، ويأخذ بما يُشعِر به قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ما قاله «شاهداك»، فلا يقول: لي شاهد واحد، إن كان له؟
وأما الحديث الثاني، فأوله يبيِّن آخره، ويدل على أن محلّ قوله:«اليمين على المدعى عليه» حيث لا يكون للمدعي إلا دعواه فقط. وكما أنه لا يتناول من له شاهدان، لأنه لم يُعطَ بمجرد دعواه، وإنما أُعطِي بدعواه مع شهادة الشاهدين، فكذلك لا يتناول من له شاهد، لأنه إن أُعطِي فلم يُعطَ بمجرد دعواه.
وأما ما يقال: إن اختصاص المدعى عليه باليمين أصل من الأصول، فحديثُ القضاء بشاهد ويمين المدعي مخالفٌ للأصول= فتهويل. ويمكن دفعه بأن المدعي لما أقام شاهدًا عدلًا صار الظاهر بيده، فإذا أصرَّ المدعى عليه على الإنكار فهو مدّعٍ لبطلان ذاك الظهور، فقد صار المدعي في معنى المدعى عليه، وصار المدعى عليه في معنى المدعي. ويمكن معارضته بأصل آخر، وهو: أنه لا يحلَّف المدعى عليه مع وجود بينة للمدعي.
فإن قيل: ذاك إذا كانت بينة تامة.
قلت: لنا أن نمنع هذا. ويتحصل من ذلك أن المتفق عليه أنه لا يمين للمدعي حيث لا شاهد له، ولا يمين للمدعى عليه مع وجود بينة تامة. ويبقى ما إذا كان للمدعي شاهد واحد مترددا بين هذين الأصلين، فيؤخذ فيه بالدليل