فنستطيع أن نفهم من هذا كله أن الله تبارك وتعالى اقتضى كمالُ جوده أن يجود بالكمال إلى الحدِّ الممكن، ولا يفي بهذا أن يخلق خلقًا كاملين، فإنما ذلك بمنزلة خلقهم حِسان الصور، وذاك كمالٌ يتمحَّض فيه الحمد للخالق من كل وجه، ولا يُحْمد عليه المخلوق البتة، فلا يُعتدّ به كمالًا له. وكذلك أن يخلقهم غير كاملين ويجبرهم على الكمال، فإنما الحمد منوط بالاختيار. وقريبٌ من هذا أن يخلقهم غير كاملين ولا مجبورين، ويُيسِّر لهم اختيارَ الكمال بحيث لا يكون فيه مشقّة عليهم، فإن المخلوق إنما يُحْمَد على اختياره الكمال حيث يكون عليه فيه مشقة، وكلما كانت المشقّة أشدّ، كان الحمد أحقَّ، والكمال أعظم (١).
* * * *
(١) يريد أن الحكمة الإلهية التي يُحمد الله عليها أن يخلق عباده من الإنس في حالة نقص ويتدرج بهم إلى الكمال باختيارهم فيما كلَّفهم به مما يتدرج بهم إلى الكمال بأعمالهم الاختيارية، ولو خلقهم كاملين لما عاد عليهم حمد وثناء لهذا الكمال، ولو أجبرهم على الكمال لما حُمدوا أيضًا على ما أجبروا عليه، فكان الحمد والثناء عليهم أن يسَّر لهم طريق الكمال التدريجي باختيارهم مع شيء من المشقة. [محمد عبد الرزاق].