للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُفْهَم من ذلك أنه لولا [٢/ ١٩١] أن يكون الناسُ أمةً واحدةً لابتلى الله المؤمنين بما لم تجرِ به العادة من شدّة الفقر والضرّ والخوف والحزن وغير ذلك. وحسبك أن الله عز وجل ابتلى أنبياءه وأصفياءه بأنواع البلاء.

وفي "الصحيحين" (١) من حديث كعب بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ المؤمنِ كمثل الخامة من الزرع تُفِيئُها الرياحُ، تَصْرعُها مرةً وتَعدِلها أخرى حتى يأتي أجله. ومَثَلُ المنافق كمثل الأَرْزة المُجْذِية التي لا يُصيبها شيء حتى يكون انْجعافُها مرةً واحدة". وفي "الصحيحين" (٢) أيضًا نحوه من حديث أبي هريرة.

ومعنى الحديث ــ والله أعلم ــ أن هذا من شأن المؤمن والمنافق، فلا يلزم منه أن كل منافق تكون تلك حاله لا يناله ضرر ولا مصيبة إلا القاضية.

والمقصود من الحديث تهذيب المسلمين، فيأنس المؤمن بالمتاعب والمصائب، ويتلقَّاها بالرضا والصبر والاحتساب، راجيًا أن تكون خيرًا له عند ربه عز وجل. ولا يتمنى خالصًا من قلبه النعمَ، ولا يحسد أهلها، ولا يسكن إلى السلامة والنعم ولا يركن إليها، بل يتلقَّاها بخوف وحذر وخشية أن تكون إنما هُيِّئت له لاختلال إيمانه، فترغب نفسه إلى تصريفها في سبيل الله عز وجل، فلا يُخْلِد إلى الراحة ولا يبخل، ولا يُعجَب بما أوتِيَه ولا يستكبر ولا يغترّ.

ولم يتعرَّض الحديث لحال الكافر، لأن الحجة عليه واضحة على كل حال.


(١) البخاري (٥٦٤٣) ومسلم (٢٨١٠).
(٢) البخاري (٥٦٤٤) ومسلم (٢٨٠٩).