وآله وسلم:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنْتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تُحِسّون فيها مِن جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} الآية [الروم: ٣٠] ". لفظ مسلم من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
الثاني: الإعراض عما أعدَّه الله تعالى لجلاء الفطرة عن تلك الغواشي، وهو الشرع. قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} خواتيم الشورى.
هذا، وقد أرسل الله تبارك وتعالى رسله، وأنزل كتبه، وفرض شرائعه، معرضًا عن علم الكلام والفلسفة. فأرسل محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس، واختار أن يكون أولُ مَن يُدعَى إلى الحق العربَ الأميين، وكلّفهم بالنظر والإيمان. وقبِلَ إيمانَ من آمن منهم، وأثنى عليهم بأنهم خير أمة أُخرجت للناس، وبأنهم هم المؤمنون حقًّا. وقضى بقيام الحجة على من كفر منهم، ولم يكن فيهم أثر لعلم الكلام ولا الفلسفة، ولا أرشدهم الشرعُ إلى تحصيل ذلك، بل حذَّرهم منه. هذه سورة (الفاتحة) أعظم سورة في أعظم كتابٍ أنزله الله تبارك وتعالى، فرض الله سبحانه على العباد قراءتَها في كلِّ يوم بضع عشرة مرةً، وفيها: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.