للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النور واليقين. فقنعوا بالمأخذَين السلفيَّين، واهتدوا بهما (١) عن بصيرة ويقين. ومن اختار ما علم أنه الحق، وثبت عليه، وأعرض عن الشبهات، لا يقال: إنه غير مستقلٍّ بالنظر كما أن النظَّار المستقلّين قطعوا بالبديهيات، وأجابوا عن الأمور التي أوردها القادحون بما تقدّم. وكما أن الغزاليّ وهو يرى أنه مستقل بالنظر، قال: إنه أيقن بالضروريات بدون دليل، بل بنور قُذِفَ في صدره، وأنه حصل له الإيمان بالله تعالى وبالنبوة واليوم الآخر بدون دليل محرَّر، بل بأسباب وقرائن وتجارب لا تُحْصَى. ولا ريب أنه لا يمكنه أن يشرح ما حصل له للخصم شرحًا وافيًا يُحصِّل للخصم اليقينَ.

بل أقول: إن عامة المسلمين المحبِّين للحق، الخاضعين له، الذين يغلب عليهم التقوى والطاعة= هم ممن تعرَّض لذاك النور، وذلك التأييد، وتلك الهداية. وكثير منهم لهم من اليقين الحقيقي الناشئ عن الفطرة، والنظر العادي، واجتماع أمور كثيرة يفيد مجموعُها اليقين، مع عناية الله عز وجل وتأييده= ما ليس لأكابر النظار (٢)، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


(١) (ط): "بها".
(٢) ثم رأيتُ نقلًا عن "فيصل التفرقة" للغزالي عبارة طويلة تراها في "روح المعاني" (ج ٨ ص ١١٩) فيها: "لست أنكر أنه يجوز أن يكون ذكر أدلة المتكلمين أحد أسباب الإيمان في حق بعض الناس، ولكن ذلك ليس بمقصور عليه، وهو نادر أيضًا ... فالإيمان المستفاد من الدلائل الكلامية ضعيف جدًّا، مشرِفٌ على التزلزل بكل شبهة، بل الإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصِّبا بتواتر السماع، والحاصل بعد البلوغ بقرائن لا يمكن العبارة عنها". [المؤلف].
وانظر "فيصل التفرقة" (ص ٩٤) ط. دار الكتب العلمية، و"روح المعاني" (٢٦/ ٦٤) ط. المنيرية.