للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن جريرٍ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الشكر خالصًا لله جَلَّ ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه ودون كُلِّ ما يُرَى من خلقه" (١).

[ب ٢٠] {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي مالكهم ومدبِّرهم، بيده ملكوت كلِّ شيءٍ، يدبِّر الأمر كلَّه، فكيف يعبد أحدٌ من عباده المخلوقين المربوبين عبدًا مخلوقًا مربوبًا مثله؟ !

[٢٧] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هذا إبطالٌ لما توهَّمه بعض المشركين بل جميعهم كما يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في بيان اعتقاد قدماء المصريِّين (٢)، توهَّموا أن الناس لحقارتهم وجهلهم وفجورهم لا ينبغي لهم أو لا يغنيهم التوجُّه إلى مَن له الكبرياء والجلال والعظمة تبارك وتعالى، بل لا بدَّ لهم أن يتوجَّهوا إلى المقرَّبين عنده كالروحانيِّين والصالحين ليكونوا شفعاءهم عند الله ويقرِّبوهم إليه زُلفى؛ لأنهم متوسِّطون بين الجبار عزَّ وجلَّ وبين سائر الخلق، فدرجتهم لا ترفعهم عن الالتفات إلى العامَّة ولا تضعهم عن نظر الجبَّار تعالى إليهم وقبول شفاعتهم.

ويقول بعضهم: إذا كثرت ذنوب الإنسان كان حريًّا بألَّا تناله رحمة العزيز الجبَّار إلا أن يشفع له أحد المقرَّبين، وهذا جهلٌ برحمة الله تعالى التي قال فيها: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، وقال جلَّ ثناؤه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، إلى قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [المؤمن: ٧]. وسيأتي بسط هذا المعنى إن شاء الله تعالى.


(١) تفسير ابن جرير ١/ ٤٥. [المؤلف]
(٢) انظر ص ٧٠٠ فما بعدها.