للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما شركهم في الألوهية، فكان عندهم مرتبطًا بدعوى الولد، كما هو بيِّنٌ من عدة آيات. وقد أوضحتُ ذلك في كتاب «العبادة». وتبيَّن لي أن أولَ ما سرى إلى العرب نسبةُ الولد إليه تعالى كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، على معنى أنهم مقرَّبون إليه. ولم يقولوا: أبناء الله، خشية إيهام أن يكونوا نظراءه، فقالوا: بنات الله؛ لأن الإناث عندهم ضعيفات، وليس لهن ميراث من آبائهن. ثم طال الزمان فصار أخلافهم يقولون: بنات الله، ولا يحققون المعنى، ولم يكونوا يُثبتون أن لله عز وجل صاحبةً. ولذلك احتجَّ عليهم القرآن بقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: (١٠١)]، فدل هذا على أن انتفاء الصاحبة أمر مسلَّم. وفي قصة إسلام طلحة أنه جاء وجماعةٌ معه إلى أبي بكر، فقال: أدعوك إلى عبادة اللات والعزَّى، فقال أبو بكر: وما اللات والعزى؟ فقال طلحة: بنات الله. فقال أبو بكر: ومن أمهم؟ فأُسْكِتَ طلحة، ثم قال لأصحابه: أجيبوا الرجل، فأُسْكِتوا، فأسلم طلحة (١).

فأما قول الله عز وجل: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: (١٥٨) فالمراد بالجنة هاهنا: الملائكة، والمعنى أنهم جعلوا الملائكة بناتٍ له. وما روي أنهم كانوا يقولون: إن أمهاتهم بناتُ سَرَوات الجن (٢)، لم يصح. ولو صحَّ لكان الظاهر أنهم اخترعوا هذا بعد قصة طلحة. واللات والعزى ومناة كانت عندهم أسماءً لتلك الإناث التي زعموا أنها الملائكة وأنها بنات الله، ثم جعلوا لتلك الإناث تماثيل وسمَّوها بأسمائها، كما جرت به عادة


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «الدر المنثور» (١٣/ ٢٠٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٩/ ٦٤٥) عن مجاهد. وانظر «الدر المنثور» (١٢/ ٤٨٤).