وكانوا كغيرهم من أصحاب العقول الفطرية يعقلون أن لله سبحانه وتعالى ذاتًا قائمة بنفسها، ولم يكن ذلك موجبًا أن يتوهَّموا أنه من جنس ما يرونه ويلمسونه، ولا مماثلًا لشيء من ذلك. فقد كانوا يعتقدون وجود الجن والملائكة، وأنها قد تكون بحضرتهم، وهم لا يرونها، ولا يسمعون كلامها، ولا يُحسُّون بمزاحمتها لهم. ويعلمون أن الله عز وجل أعلى وأجلُّ وأبعدُ عن مماثلة ما يرونه ويلمسونه. وكانوا كغيرهم من الناس يعلمون أن الموجود القائم بنفسه حقيقةً لا يمكن أن يكون لا داخلَ العالم ولا خارجَه، ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه، لا قريبًا من غيره من [٢/ ٢٩٦] الذوات ولا بعيدًا عنها. فكانوا يعتقدون أن الله تبارك وتعالى فوق عرشه الذي فوق سماواته.
ولم يكونوا إذا قيل لهم: يد الله ــ مثلًا ــ ليفهموا من ذلك يدًا كأيديهم، فإنهم يعلمون أن المضاف يختلف باختلاف المضاف إليه. يقال: رأس نحلة، رأس جرادة، رأس حمامة، رأس إنسان، رأس حصان؛ فيختلف كما ترى، فما بالك بنحو «يد الله»؟ مع ما قدَّمنا أنهم كانوا يعلمون أنه تعالى ليس بإنسان ولا جنِّي ولا ملَك، ولا مماثل لشيء من ذلك ولا لغيرها من مخلوقاته؛ وأنه أعلى وأجلُّ وأكبر من ذلك كلِّه، وأنهم كانوا يعتقدون وجود الجن والملائكة، وأنها قد تكون بحضرتهم، لا يرونها ولا يسمعون كلامها ولا يدركون لها حسًّا ولا أثرًا. ويعلمون أن الله تبارك وتعالى أعلى وأجلُّ وأبعد عن مماثلة المحسوسات.
والإنسان إذا كان يعرف المضاف إليه أو مثلَه أمكنه تصوُّرُ المضافِ تحقيقًا أو تقريبًا، يتأتى معه أن يقال: مثل، أو شبيه، وإلَّا لم يبقَ هناك إلا أمر إجمالي. فإذا كان المضاف إليه هو الله عز وجل لم يتصور من يده مثلًا إلا ما