للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحادي عشر: أن إبراهيم احتاج إلى تلك الكلمات، ولم يكن يمكنه قبلَ ذلك الاستعدادُ لتلك الحوادث بما يُغنيه عن تلك الكلمات أو نحوها. وتلك النصوصُ على خلاف هذا لو لم تكن حقًّا. فإن الله عز وجل إنما خلق الناس لعبادته، كما تقدَّم تقرِيرُه أوائلَ الرسالة، فلو كان الحق في نفس الأمر ما يزعمه المتعمِّقون لَخَلَق الله تعالى الناسَ على الهيئة التي تُرشِّحُهم لإدراك ذلك بدون صعوبة شديدة. وذلك بأن يزيد في عقولهم ويُهيِّئ لهم من آيات الآفاق والأنفس ما يقرِّب إدراكَ الحق إلى أذهانهم، حتى إذا خاطبهم به في كتبه، وعلى ألسنة رسله، ونبَّههم على الدلائل القريبة في ذلك= أمكن مَن يُحِبُّ الحقَّ منهم ويرغب فيه أن يفهم ذلك ويُدركه.

فنقول للمتعمِّقين: ألم يعلم الله عز وجل ما يكون عليه حال الناس؟ أم علِمَ ولكن لم يَقْدِر على أن يخلقهم على الهيئة المذكورة ويهيئ لهم من آيات الآفاق والأنفس ما ذكر؟ أم علِمَ وقَدَر، ولكن لم يعبأ باقتضاء الحكمة، فاضْطُرَّ سبحانه ــ وحاشاه ــ أخيرًا إلى الكذب والتلبيس الذي يُوقعُ الناسَ في نقيض ما خلقهم لأجله في الأصول، وحرصًا على أن يقبلوا بعض الفروع؟ (١) هذا مع ما يترتب على ذلك من المفاسد كما يأتي.

الثاني عشر: أن كلمات إبراهيم كان إبراهيمُ محتاجًا إليها حاجةً محقَّقة، وتلك النصوص ــ لو لم تكن حقًّا ــ على خلاف ذلك، فإن العرب كانوا في جاهليتهم يعترفون بوجود الله وربوبيته وغير ذلك، كما سلف في الجواب عن المقصد الرابع. فلو بنى الشرعُ أولًا على ما كانوا يعترفون به مما يعترف المتعمِّقون أنه حقٌّ في نفس الأمر، وعلى ما يُشبهه ويقرُب منه، وسكت عن


(١) كذا العبارة في (ط)، وفيها خلل أو نقص.