للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فالإيقاعُ في ظن الباطل قريبٌ من الإيقاع في القطع به. ألا ترى أن الإنسان إذا أخبر صاحبَه بخبرٍ إنما يحصل لصاحبه الظنُّ لاحتمال أن يكون غلِطَ أو أخطأ أو جهِلَ أو عجَزَ أو تعمَّد الكذبَ، ومع ذلك فإنه إذا كذبَ فعليه تبعةُ الكذب.

وإن عنى الرازي بقوله: « ... أن يريد به ... » الإرادة الثانية على زعم أنها قد تخالف في كلام الله تعالى الأولى، فحاصل عبارته على هذا: أن الله تعالى لا يكون مُلَبِّسًا إلا إذا امتنع عقلًا أن يكون مُلَبِّسًا، وهذا لا يظهر له معنى إلا أن يكون مغزاه أن الله تعالى إنما يكون مُلبِّسًا إذا امتنع عقلًا أن يكذب. فأما إذا لم يمتنع عقلًا أن يكذِبَ فالمصدِّق له هو المقصِّر، فعلى هذا تكون منزلةُ ربِّ العالمين عند الرازي منزلةَ الرجل الذي ديدنُه الكذب. فإذا كذب على قوم، فبنَوا على خبره، فنالهم ضرر، فلاموه= كان لغيره أن يقول لهم: هذا رجلٌ من عادته الكذب، فأنتم المقصِّرون إذْ عملتم بخبره، فإن لم تعرفوا عادته فقد كان عليكم أن تتثبتوا! والرازي لا يرضى هذا المثل لنفسه، ولا لأقلِّ أصحابه، بل لا يرضى به إنسان لنفسه! {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: ٦٠].

وبَّخ اللهُ تعالى بهذا المشركين على قولهم: إن له سبحانه بنات، مع كراهيتهم أن تكون لهم بنات، ولا أرى المقالة السابقة إلا أكبر من هذه.

وقال تعالى في الذين قالوا: إن له سبحانه ولدًا: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: ٥].

وقال سبحانه لقائلي ذلك: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ