الذي بيده ملكوت كلِّ شيءٍ، والمشركون يعترفون بهذا كلِّه، إلا أنهم يقولون: الذين نعبدهم من دون الله هم مقربون لديه يشفعون إليه، فلما ثبت أنَّه سبحانه وتعالى قرّبهم وجعل لهم أن يشفعوا إليه لزم من ذلك أن لا يمنع غيرهم من عبادتهم طلبًا لشفاعتهم؛ لأن ذلك ينفع العابد ولا يضرُّ الله تعالى. وعلى ذلك قولهم فيما حكاه الله عز وجل عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، وقولهم:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨]، فأبطل الله تعالى شبهتهم بقوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} الاستفهام بمعنى النفي، كما قال تعالى في موضع آخر:[٣١]{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}[يونس: ٣].
والمشركون يسلِّمون أنه لا يشفع أحد عنده بغير إذنه، ولكنهم يتوهَّمون أنه سبحانه قد أذن للمقرَّبين في الشفاعة إذنًا عامًّا، فدفع سبحانه وتعالى ذلك بقوله:[ب ٢٦]{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}، فهو سبحانه العالم بكل شيءٍ بالمشفوع له وما قُدِّر له، وبالشافع وشفاعته وغير ذلك، والمقرَّبون لا يحيطون بشيءٍ من علمه إلَّا بما شاء، فلا يعلمون بالمشفوع له ولا بحقيقة عمله ولا حقيقة ما يستحقه ولا ما قدر له ولا بأن الشفاعة له صواب يشاؤه الله ويرتضيه، لا يعلمون شيئًا من هذا إلا إذا شاء الله تعالى أن يعلموا، وقد ثبت أنهم مملوكون لله عز وجل مبالغون في طاعته، فيُعْلَم من هذا أنهم لا يشفعون لأحدٍ إلَّا بعد أن يأذن الله تعالى لهم أن يشفعوا له، وأنه سبحانه لا يأذن لهم إلا بعد أن يشاء شفاعتهم لذلك الشخص ويرتضيها ويعلم أنها صواب، كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ