للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول الثاني: أن المحكمات كل آية يتهيأ للسامع مع معرفة معناها الذي سيقت لبيانه أن [٢/ ٣٣٥] يعرف ما تتوق إليه نفسه مما يتعلق بما اشتملت عليه. والمتشابهات ما عدا ذلك. فالآيات المنذرة بقيام الساعة إنما سيقت لإعلام العباد أن لهم بعد هذه الحياة الدنيا الفانية حياةً خالدة يحاسَبون فيها على ما قدَّموه في الدنيا ويُجزَون به، ليستعدُّوا لها بالإيمان والعمل الصالح والاستكثار منه، واجتناب الكفر والظلم والفسوق والعصيان. فهذا هو المقصود، ولكن كثيرًا من النفوس تَخَطَّاه متعطشةً إلى معرفة وقت قيام القيامة. قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٨٧].

{حَفِيٌّ عَنْهَا}: معنيٌّ بالسؤال عن وقتها حتى علمتَه. فردَّ الله تعالى عليهم بأن رسوله ليس مثلهم في الحرص على معرفة ذلك، لأنه يعلم أن المهم هو الاستعداد لها، فهو مستعدٌّ، فلا يهمُّه أن تقوم بعد لحظة أو بعد ألوف القرون. وفي القرآن عدة آيات أخرى في هذا المعنى.

وفي «الصحيحين» (١) عن أنس «أن رجلًا قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «ويلك! وما أعددتَ لها؟ » قال: ما أعددتُ لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: «أنت مع من أحببتَ». قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرَحَهم بها». عدل به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المهم، ونبَّهه على أن المحبة تقتضي المعيَّة. فمن صدقَ حبُّه لله ورسوله كان


(١) البخاري (٦١٧١) ومسلم (٢٦٣٩).