للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس المراد أنها يشبه بعضها بعضًا، بل المراد ــ والله أعلم ــ أن كل آية منها متشابهة، أي يمكن أنْ تُحمَل على معان متشابهة في أنه لا يترجح بعضها على بعض رجحانًا بيِّنًا.

وفي حديث «الصحيحين» (١): «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات ... ». وفي «فتح الباري» (٢): «في رواية الأصيلي: «مشتبهات» ... وهي رواية ابن ماجه (٣)، وهو لفظ ابن عون ... ورواه الدارمي (٤) عن أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ: «وبينهما متشابهات» ... ».

واشتبهوا وتشابهوا يأتيان بمعنى واحد، شأنَ افتعل وتفاعل في كثير من الكلام. فالأمر الذي بين الحلال والحرام متشابه الحل والحرمة في الاحتمال، يحتمل كلًّا منهما كما يحتمل الآخر، لا يترجَّح فيه ذا ولا ذاك. فهكذا ــ والله أعلم ــ تكون الآية المتشابهة يتشابه فيها معنيان فأكثر. وانطباقُ هذا على المجمل الذي لا ظاهرَ له واضح، فأما الذي له ظاهر فإنما يقع حيث تكون هناك قرينة تُقاوِم ظهوره، كما أوضحته في رسالتي في «أحكام الكذب». وبذلك يصير في حكم الأول، هذا بالنسبة إلى الصحابة.

فأما مَن بعدهم، فقد علم المسلمون أن في النصوص ما هو منسوخ نسخه نصٌ آخر بعيد عنه، وما هو عامٌّ خصَّصه نصٌّ آخر، وما هو مطلَق قيَّده


(١) البخاري (٥٢، ٢٠٥١) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير.
(٢) (١/ ١٢٧).
(٣) رقم (٣٩٨٤).
(٤) رقم (٢٥٢٤).