للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثالث: أن الأولى لا تخلو عن فائدة، فقد ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أن من احتاج إلى عمل، ووجد نصًّا يتعلَّق به إلا أنه يحتمل أن يكون له ناسخ أو مخصِّص أو مقيِّد، ولم يمكنه البحث حالًا= كان عليه العملُ بذلك النص، ثم يبحث. ويشهد لهذا أن استقبال بيت المقدس، نزل نسخُه، وأناسٌ من المسلمين غائبون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبقي الحكمُ في حقِّهم استقبالُ بيت المقدس حتى بلغهم النسخ. وكذلك تحريمُ الخمر نزل، وأناس من المسلمين غائبون، فبقي الحكم في حقِّهم حِلُّها حتى بلغهم التحريم. هذا مع أن من أولئك الغائبين من غاب بعد أن علِمَ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوقع نسخ القبلة وتحريم الخمر.

وعلى هذا فإذا جاز أن تنزل في شوال آيةٌ تتعلَّق بحكم صيام رمضان، وتكون مجملةً لها ظاهرٌ غيرُ مراد، وتكون هناك قرينة تدافع ذاك الظهور، فسمعها بعضُ المسلمين ثم غاب، وطالت غيبته حتى دخل رمضان= كان عليه العملُ بتلك الآية، وإن كان محتملًا عنده أنه نزل بعد غيبته ما يبيِّن أنها على خلاف الظاهر.

فهذا ونحوه إنما يُعقل في الأحكام التي يعقل فيها الاختلاف، فيكون الحكم حقًّا في وقت أو حال، وباطلًا في غيره. فأما الاعتقاديات، فإنما تكون على حال واحدة.

الوجه الرابع: أن الظهور في الأولى ضعيف واحتمال خلافه قوي. وذلك كالعموم، وقد قيل: ما من عامٍّ إلَّا وقد خُصَّ؛ وكالإطلاق وهو قريب من ذلك. والثانية كثير منها [٢/ ٣٤٣] أو أكثرها صريحة في المعاني التي ينكرها المتعمِّقون، وما كان كذلك فلا مجال لتجويز أن يكون ذلك المعنى غير مراد؛