للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن لم يجد النقل أصلاً بيّن أنه لم يجده، فيبقى أمر الحكم عليه حتى الوجدان ــ وهذا نادر ــ. وقد يبحث عنه الشيخ في مظانه فيجده، فيصحّح الإحالة إلى مكانه. ثم ينظر فيه نظره السابق الذي شرحناه.

أما إذا لم يذكر أبو رية مصدر النقل؛ فهذه ــ بتتبّع المؤلف ــ حيلته في تدليس بلاياه، وأنه إن ذكر مصدرَه سيُفضَح بذكره، كما بيّنه الشيخ في مواضع (ص ٢٤٢، ٢٤٦، ٢٥٨).

أما ما يذكره أبو رية من القضايا والمسائل والإشكالات، فينظر الشيخ في ذلك كلّه نظَرَ العالم المتبحِّر العارف، فيحلّلها ويدرسها دراسةً عميقة متأنّية، ثم يأتي بخلاصتها في أسطر معدودة، وقد يطيل النَّفَس بعض إطالةٍ إن اقتضى الأمر ذلك، وتلك مسائل معدودة، وأنا على يقين أن الشيخ مال إلى تلخيص القضايا حتى لا يطول الكتاب، وإلا فكثير من مباحثه وتحقيقاته التي ذكرها لم تتأتّ إلا بنَظَر طويل وتحقيق بالغ. فها هو الشيخ ص ١٩٠ يحيل إلى بحث له طويل في قوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (١) ثم يذكر خلاصته. وقال في موضع آخر (ص ٢٣٠): "وشرح ذلك يطول".

وبعد، فإن للمؤلف في كتابه ــ كما عوّدنا ــ من التحقيقات والإشارات والفوائد ما لو وقعت لغيره لتبجّح بها في طول الكتاب وعرضه، وزَعَم وزَعَم، لكن الشيخ في تواضعه ورزانته نادر المثال. وتأمل قوله رحمه الله: "الباحث المتّزن الواثق بحجته هو الذي يترك الإعلان عن نفسه وعن كتابه


(١) وهذا البحث مضمّن في "رسائل التفسير" من هذه الموسوعة المباركة.