للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث التي شحنت بها الكتب المشهورة في الحديث. تلك التي حملت الطِّمّ والرِّم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير. وقد بلغ من ثقتهم بأحاديث هذه الكتب، أن من يشك في حديث منها يعد في رأيهم فاسقًا! ! وإذا كان الله قد آتاهم عقولا لا ليفهموا بها، وفهوما لا يَزِنون بها، فإنهم يعطلون هذه المواهب استمساكا بالتقليد الأعمى، والتعبد لمن سلف! وإذا أنت بصَّرتهم بالحق، وبينت لهم المحجة الواضحة، لووا رؤوسهم، وأصروا على معتقداتهم واستكبروا استكبارا. وليتك تسلم من ألسنتهم، بل يرمونك بشتائمهم، وسبابهم، ويسلقونك بألسنتهم، وقد بلوت ذلك منهم عندما أخرجت كتابي: (أضواء على السنة المحمدية) الذي أرَّخت فيه الحديث، وكشفت كيف روي وما شابه رواية من الموضوعات ومتى دُوّن وما إلى ذلك ما يجب بيانه - فإنهم ما كادوا يقرأونه حتى هبَّت عليَّ أعاصير الشتائم والسباب من كل ناحية، من مصر والحجاز والشام! فلم أبال كل ذلك بل استعذت به لأني على سبيل الحق أسير، فلا يهمني شيء يلاقيني في هذا السبيل مهما كان. ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتى لا يظهر. ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدو، لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء جمودهم، وأن ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم والدين فحسب؟ بل يمتد إلى ما وراء ذلك.

فإن الناشئين من المسلمين وغير المسلمين الذين بلغوا بدراستهم الجامعية العلمية إلى أنهم لا يفهمون إلا لقبولهم، وما وصلوا إليه بعلمهم، قد انصرفوا عن الإسلام لما بدى لهم على هذه الصورة المشوهة التي عارضها هؤلاء الشيوخ عليهم. من أجل ذلك كله كان من الواجب الحتم على العلماء المحققين الذين حرروا أعناقهم من أغلال التقليد، وعقولهم من رق التعبد للسلف، أن يشمروا عن سواعد الجد، ويتناولوا تاريخنا بالتمحيص، وأن يخلصوه من شوائب الباطل والعصبيات، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.