للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلف السلف والخلف في تفسير الآية، والأَوْلَى بظاهر التنزيل ما رُوِيَ عن مجاهد قال: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}: "أهل الحقِّ وأهل الباطل"، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، قال: "أهل الحقِّ" (١).

وعن الحسن البصري قال: "وللاختلاف خَلَقَهُمْ" (٢).

أقول: فالاستثناء منقطع، أي: ولكن مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ يُهْدَى للحق.

وتَأَوَّلَ ابنُ جريرٍ الخَلْقَ للاختلاف بقوله: "فإن قال قائلٌ: فإن كان تأويل ذلك كما ذَكَرْتَ فقد ينبغي أن يكون المختلفون غَيْرَ ملومين على اختلافهم؛ إذ كان لذلك خلقهم ربُّهم ... قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذَهَبْتَ، وإنما معنى الكلام ..... ولعِلمه، وعلى عِلمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم ــ أنه قد يكون فيهم المؤمن والكافر والشَّقِيُّ والسعيد ــ خلقهم، فمعنى اللام في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} بمعنى على ... " (٣).

أقول: وهذا يلاقي ما قَدَّمْتُه إلا أنه لا يخلو عن تَكَلُّفٍ

ولما كان الكمالُ في العبادة صَعْبَ الحصول لما فيه من العناء والمشقة كان لا بُدَّ مِنْ باعثٍ للخلق يُهَوِّنُ عليهم ذلك، وليس إلا وعد المطيع بما تَعْظُمُ فيه اللَّذَّةُ وإيعاد العاصي بما يَعْظُمُ فيه الألم. [ز ٤] والناسُ في هذه النشأة المبْنِيَّةِ على الابتلاء لا يكادون يتصوَّرون اللَّذَّة والألم إلا فيما يناسب ما


(١) تفسير ابن جرير ١٢/ ٨٠. [المؤلف]
(٢) المصدر السابق.
(٣) تفسير ابن جرير ١٢/ ٨١. [المؤلف]