للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن الجَور أن نزعم أن مراد أبي ريَّة هو ما تضمّنه التفسير الأول؛ لأن ذلك باطل مكشوف، وذلك أن للقضية شطرين: الأول: أن يدع الحديث، الثاني: أن (١) يأخذ به.

فأما الشطر الأول، فالمسلم لا يدع الحديث وقلبه مطمئن إلّا إذا بان له أنه لا يصح، والذي في كتاب أبي ريَّة مما ذكر أنه يدلُّ على عدم الصحة، إما أن يقتضي امتناع الصحة قطعًا، كمناقضة الخبر للعقل الصريح أو للحس أو لنصِّ القرآن. وإما أن يقتضي استبعادها فقط، والأول لا يحتاج الناسُ فيه إلى كتاب أبي ريَّة هذا، والثاني لا يكفي؛ فإنه قد يثبتُ الخبر ثبوتًا يدفع الاستبعاد، إذن فثمرة مجهوده وكتابه بالنظر إلى هذا الشطر ضئيلة لا يليق التبجُّح بها.

وأما الشطر الثاني، فمن الواضح أن انتفاء الموانع الظاهرة، كمناقضة العقل الصريح ونحوه إنما يفيد إمكان الصحة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في السند (٢)، فإن كان موثَّق الرجال ظاهر الاتصال قيل: "صحيح الإسناد"، ثم يبقى احتمال العلة القادحة، بما فيه من الشذوذ الضار، والتفرُّد الذي لا يُحْتَمل. والنظرُ في ذلك هو كما قال أبو ريَّة ص ٣٠٢: (لا يقوم به إلا من كان له فهم ثاقب وحفظ واسع، ومعرفة تامّة بالأسانيد والمتون وأحوال الرواة). وهذه درجة لا تُنال بمجهود أبي ريَّة ولا بأضعاف أضعافه.

فبان يقينًا أن أبا ريَّة لا يمكنه الاستقلال بتصحيح حديث، بل كتابه ينادي عليه أنه لا يمكنه أن يستقلَّ بتصحيح إسناد. إذن فلم يُفِدْه مجهوده شيئًا في هذا الشطر، وبقي فيه كما كان عالةً على تصحيح علماء الحديث.


(١) (ط): "أنه".
(٢) (ط): "السنة" تحريف.