هذا وكلّ شأن من شؤون النبي - صلى الله عليه وسلم - الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو كفّ أو تقرير= سنةٌ بالمعنى الأول، ومجموعُ ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أُطْلِقَت "السنة" على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح. وإنما أوضحتُ هذا لأن أبا ريَّة يتوهَّم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية.
ثم قال ص ١٧:(مكان السنة من الدين. جعلوا السنة القولية في الدرجة الثانية أو في الدرجة الثالثة من الدين ... وأما الذي هو في الدرجة الثانية من الدين فهو السنة العملية).
أقول: المعروف بين أهل العلم قولهم: "الكتاب والسنة" ثم يقسِّمون دلالات الكتاب إلى قطعية وغيرها، والسنة إلى متواتر وآحاد، وإلى قول وفعل وتقرير، إلى غير ذلك من التقسيمات. وسيأتي ذكر "ثلاث مراتب" من صاحب "المنار"، وننظر فيه (١).
فأما منزلة السنة جملةً من الدين فلا نزاع بين المسلمين أن ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أمر الدين فهو ثابت عن الله عز وجل، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]، وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول فيما بلَّغه عن ربه، وقد بلَّغ الرسول بسنته كما بلَّغ كتاب الله عزوجل.
ثم تكلَّم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمِنْ قائل: السنة قاضية على الكتاب [ص ١٣]. وقائل: السنة تبيّن الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة