أحكامه، أو نقض خبر من أخباره، ولذلك كان التحقيق أن السنة لا تنسخ القرآن).
أقول: أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه، فهذا لا يقع من السنة للقرآن، ولا من بعض القرآن لبعض، فالقرآن كله حق وصدق:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: ٤٢]. وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ، فليست بإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان.
فالتخصيص ــ مثلًا ــ إن اتصل بالخطاب بالعام، كأنْ نزلت آية فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيَّن ما يخصِّصها فالأمر واضح؛ إذ البيان متصل بالمبيَّن فكان معه كالكلام الواحد. وإن تأخر المخصّص عن وقت الخطاب بالعام ولكنه تبعه قبل وقت العمل بالعام أو عنده فهذا كالأول عند الجمهور، وهذا مرجعه إلى عُرْف العرب في لغتهم كما بينه الشافعي في "الرسالة"(١).
أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته التخصيص، فإنما يكون نسخًا جزئيًا، لكن بعضهم يُسمِّي النسخ تخصيصًا جزئيًّا كان أو كليًّا، نظرًا إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات عموم، والنسخُ إخراج لبعض تلك الأوقات وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ، وهذا مما يحتج به مَنْ يجيز نسخ بعض أحكام الكتاب بالسنة.
(١) قد يكون كذلك في غير العربية، ولكن الشافعي رأى بعض المستعربين يستنكرونه، فجوّزمخالفة لغاتهم الأعجمية للعربية في ذلك. [المؤلف]. وانظر "الرسالة" (ص ٥٢ وما بعدها).