للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتأويله، وقد ذَكرَ في «فتح الباري» (١) أوجهًا للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث [ص ٢٤] زيد بن ثابت في جمعه القرآن: «فتتبعتُ القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف»، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مرَّ قريبًا (ص ٢٠) (٢)، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية والآيتان، فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع، فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كلٍّ منها آية أو آيتان أو نحوها، وكان هذا هو المتيسِّر لهم. فالغالب أنه لو كتب أحدُهم حديثًا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنُهوا عن كتابة الحديث سدًّا للذريعة.

أما قول أبي ريَّة ص ٢٧: (هذا سبب لا يقتنع به عاقل عالم ... اللهم [إلا] إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة، وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه).

فجوابه: أن القرآن إنما تحدَّى أن يُؤْتَى بسورة مِنْ مِثْله، والآية والآيتان دون ذلك. ولا يشكل على هذا الوجه صحيفة عليّ؛ لأنه جمع فيها عدة أحكام، وكان عليٌّ لا يُخْشَى عليه الالتباس. ولا قصة أبي شاه، لأن أبا شاه لم يكن ممن يكتب القرآن، وإنما سأل أن تُكْتب له تلك الخطبة. ولا قوله - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته: «ائتوني بكتاب الخ». لأنه لو كُتب لكان معروفًا عند الحاضرين وهم جمع كثير. ولا قضية عبد الله بن عمرو، فإنه فيما يظهر حصل على صحيفة فيها عدة أوراق، فاستأذن أن يكتب فيها الأحاديث فقط. وكذلك الكتب التي كتبها النبي - صلى الله عليه وسلم - لعُمَّاله وفيها أحكام الصدقات وغيرها،


(١) (١/ ٢٠٨ ــ السلفية).
(٢) من الخطية وهكذا في كل إحالات المؤلف. وهي في (ص ٤١) من هذه الطبعة.