للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو ريَّة: (ولو أنك تصفحت البخاري ومسلم لما وجدت فيهما حديثًا واحدًا لأمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن [عبد الله بن] الجراح. وليس فيهما كذلك حديث لعتبة بن غزوان وأبي كبشة مولى رسول الله وكثيرين غيرهم).

ثم قال أبو ريَّة: (كان الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة وأهل الفُتْيَا منهم كما علمت يتَّقون كثرة الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كانوا يُرَغّبون عن روايته؛ إذ كانوا يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن كتابة حديثه، وأنهم إذا حدَّثوا عنه قد لا يستطيعون أن يؤدُّوا كل ما سمعوه ... على وجهه الصحيح؛ لأن الذاكرة لا يمكن أن تضبط كل ما تسمع، وماتحفظه مما تسمعه لا يمكن أن يبقى فيها على أصله ... ما كانوا ليرضوا بما رضي به بعضهم ومن جاء بعدهم من رواية الحديث بالمعنى؛ لأنهم كانوا يعلمون أن تغيير اللفظ قد يغيّر المعنى، وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس كغيره؛ إذ كل لفظة من كلامه - صلى الله عليه وسلم - يكمُن وراءها معنى يقصده).

أقول: كان الصحابة يُفتون، وكلُّ من طالت صحبتُه فبلغت سَنَةً فأكثر فهو مِن العلماء، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، وقد قال الشافعي في «الأم» (٧: ٢٤٤) (١): «أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلّهم ممن له أن يقول في العلم». وتبليغ الأحاديث فرض كفاية كالفتوى.

فأما الصِّدِّيق فقلَّ حديثه وفتواه؛ لأنه اشتغل بالخلافة حتى مات بعد سنتين وأَشْهُر، وكان يكفيه غيره الفتوى والتحديث. وأما أبو عبيدة فشُغِل بفتح الشام حتى مات سنة ١٨، وكان معه في الجيش كثير من الصحابة كمعاذ بن جبل وغيره يَكْفُونه الفُتيا والتحديث. وقد جاءت عنه عدة أحاديث لم يتّفق أن يكون منها ما هو على شرط الشيخين مما احتاجا إليه. وأما الزبير والعباس فكانا مشتغلَيْنِ بمزارعهما غير منبسطَيْن لعامة الناس، فاكتفى الناس


(١) (٨/ ٧٥٧ ــ دار الوفاء).