للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينشرون العلم، فلا يستجيبون، بل يفرُّون ويستترون. وكان أئمة النقد لا يكادون يوثِّقون محدِّثًا يداخل الأمراء أو يتولَّى لهم شيئًا. وقد جرحوا بذلك كثيرًا من الرواة، ولم يوثِّقوا ممن دَاخَلَ الأمراءَ إلا أفرادًا عَلِم الأئمةُ علمًا يقينًا سلامةَ دينهم وأنه لا مَغْمَز فيهم البتة.

وكان محمد بن بشر الزَّنْبري محدِّثًا يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزَّنْبري يُشيّعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزَّقوا ما كانوا كتبوا عنه (١).

وكثيرًا ما كانوا يُكذِّبون الرجل ويتركون حديثه لخبر واحد يتَّهمونه فيه. وتجد مِنْ هذا كثيرًا في «ميزان الذهبي» وغيره. وكذلك إذا سمعوه حدّث بحديث ثم حدّث به بعد مدة على وجه ينافي الوجه الأول.

وفي «الكفاية» (ص ١١٣) عن شعبة قال: «سمعت من طلحة بن مصرِّف حديثًا واحدًا وكنت كلما مررت به سألته عنه ... أردت أن أنظر إلى حفظه، فإنْ غيَّر فيه شيئًا تركته».

وكان أحدهم يقضي الشهر والشهرين يتنقل في البلدان يتتبع رواية حديث واحد، كما وقع لشعبة في حديث عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر (٢)، وكما وقع لغيره في الحديث الطويل في فضائل السور (٣). ومن تَتبَّع كتب التراجم [ص ٦٣] وكتب العلل بَانَ له مِن جِدِّهم واجتهادهم ما يحيِّر العقول.


(١) انظر «لسان الميزان»: (٧/ ١٣ ــ ١٤) لابن حجر.
(٢) ذكر القصة ابنُ حبان في «المجروحين»: (١/ ٢٨).
(٣) ذكر القصة الخطيبُ في «الكفاية» (ص ٤٠١). والحديث أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٤٧١).