للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم اتضح مِمَّا تقدم عن «إظهار الحق» أنه لا مانع من أنه كان في كتب أهل الكتاب عند ظهور الإسلام ما تواطؤوا بعد ذلك على تحريفه أو إسقاطه أو فَقْد ذاك الكتاب بإتلافهم عمدًا أو غيره. وقد كان اليهود في بلاد العرب منذ زمن طويل قبل الإسلام، فلا يستبعد أنه كان بقي عندهم مالم يكن عند النصارى (١)، وإذا لا مانع وقد صحَّت الرواية فالواجب تصديقها، ومن تدبَّر القرآن ومحاورات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لليهود، وما حُكي عنهم قبل البعثة وما حكاه مَنْ أسلم منهم= بان له صحة ما قلناه.

وقد صحت الروايةُ عن عبد الله بن عَمرو وهو صحابي فاضل، وقد كان عارفًا بكتب أهل الكتاب، ووقعت له عدة منها، فالظاهر أنه أخذ العبارة منها. وإن صحّت عن عبد الله بن سلام فالأمر أوضح، فإنه كان من أحبار اليهود، وأسلم مَقْدَمَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكان مِن خيار الصحابة، وشهد له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، كما رواه كبار الصحابة (٢). وإن صحت عن كعب فالظاهر صدقه؛ لأنه إذا كان صادق الإسلام [ص ٧٣] نقيًّا كما هو الظاهر ولم يتبيَّنْ خلافه فالأمر واضح، وإن كان كما زعمه بعضهم منافقًا مُصِرًّا في الباطن على اليهودية متعصِّبًا لها فليس مِن المعقول أن يَكْذِب للمسلمين بما يزيدهم ثباتًا على الإسلام وحَنَقًا على اليهود. وما يقال إن كعبًا كان يستدرج


(١) ومن الهيّن جدًّا على اليهود حين قرَّروا إتلاف النسخ أن يتلفوا جميع ما كان تبقّى منها بأيدي المسلمين من أعقاب كعب ووهب وغيرهما لأنها تصير إلى مسلم لا يحسن قراءتها، وقد يكره بقاءها عنده فقد يتلفها وقد يعطيها يهوديًّا بغير ثمن أو بثمن بخس، ويتأكد ذلك عند سعي اليهود في جمعها، وحسبك برهانًا على ذلك وما في معناها: فَقْد النسخ من العالم سوى ما بأيدي اليهود من النسخ الحديثة. [المؤلف].
(٢) انظر ما سلف (ص ١٣٢).