للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند ذلك [ص ٩٧] بل كان من رواياتهم أن النبيّ لم ينج من نخسة الشيطان إلا بعد أن نفذت إلى قلبه، وكان ذلك بعملية جراحية ... وكأن العملية الأولى لم تنجح فأعيد شقّ صدره ... ).

أقول: لم يكن شقّ الصدر لإزالة أثر النّخْسَة كما زعم، وإنما كان لتطهير القلب من شيء يخلق لكلّ إنسان بمقتضى أنه خُلِق ليبتلى. أما تكراره فقد أنكره بعضهم كما في «الفتح» (١) حملًا لما ورد من ذلك على خطأ بعض الرواة. وفي «صحيح مسلم» (٢) ذِكْر وقوعه في الطفولة وعند الإسراء، وقال في الأول: «أتاه جبريل ... فاستخرج منه عَلَقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله ... ». وقال في حديث الإسراء: «فنزل جبريل ففتح صدري ثم غسله ... ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغها في صدري». فليس في الثاني ذِكْر إخراج القلب ولا إخراج عَلَقة منه، ولا ذكر حظ الشيطان، وإنما فيه ذكر الصدر وزيادة ذكر إفراغ الحكمة والإيمان فيه، فتبيَّن أن المقصود ثانيًا غير المقصود أولًا، وأن كلًّا من المقصودَيْنِ مناسب لوقت وقوعه.

وفي «الفتح» (٣): «قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شقّ قلبه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيمانًا وحكمة بدون شق: الزيادة في قوَّة اليقين، لأنه أُعطي برؤية شقّ بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمِنَ معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالًا ومقالًا، ولذلك وُصِف بقوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: ١٧]».


(١) (٧/ ٢٠٤).
(٢) (١٦٣).
(٣) (٧/ ٢٠٦).