للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولفظ البخاري في «صحيحه» (١) في كتاب الاعتصام ــ باب الحجَّة على مَن قال: إن أحكام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كانت ظاهرة الخ. «حدثنا عليّ حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمعه (٢) مِن الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد، إني كنت امرءًا مسكينًا ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخ». وأخرجه البخاري في مواضع أخرى من وجوه أخرى عن الزهري وفيه: «ألزم» (٣)، وفي موضع: «أن أبا هريرة كان يلزم» (٤).

فأبو هريرة لم يتكلم عن إسلامه ولا هجرته ولا صحبته المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، وإنما تكلَّم عن مزيّته وهي لزومه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - دونهم، ولم يعلِّل هذه المزيّة بزيادة محبته أو زيادة رغبته في الخير أو العلم أو نحو ذلك مما يجعل له فضيلة على إخوانه، وإنما علَّلها على أسلوبه في التواضع بقوله: «على ملء بطني» فإنه جعل المزية لهم عليه بأنهم أقوياء يسعون في معاشهم وهو مسكين. وهذا والله أدب بالغ تخضع له الأعناق، ولكنّ أبا ريَّة يهتبل تواضع أبي هريرة ويبدل الكلمة ويحرف المعنى، ويركّب العنوانَ على تحريفه، ويحاول صرف الناظر عن التحرِّي والتثبُّت بذكره رواية مسلم؛ ليوهم أنه قد تحرَّى الدقَّة البالغة، ويبني على صنيعه تلك الدعوى الفاجرة (٥).


(١) (٧٣٥٤).
(٢) (ط): «سمع»، والمثبت من البخاري.
(٣) (٢٠٤٧).
(٤) (١١٨).
(٥) وقد قال أبو ريَّة في حاشية ص ٣٩: «لعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين». [المؤلف].