للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان على المدينة فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن [أبي] مالك. فقلت له: يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه).

أقول: إنما كان يتعمّد هذا التبذّل والمزاح حين يكون أميرًا تهاونًا بالإمارة ومناقضةً لما كان يتَّسم به بعض الأمراء من الكِبْر والتعالي على الناس، وكانت إمارة أبي هريرة رحمةً بأهل المدينة، يستريحون إليها من عُبِّيّةِ أمراء بني أمية وعنجهيتهم، وكانت إحياء للسنة، فإن الأمير كان هو الذي يؤمُّ الناس، فكان الأمراء يُغفلون أشياء من السنة كالتبكير (١) في الصلاة وسجود التلاوة وقراءة السّوَر التي كان يقرؤها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك، فكان أبو هريرة إذا ولي كان هو الذي يؤمّ الناس، فيحيي ما أهمله الأمراء من السنن.

قال: (ولقد كانوا يتهكّمون برواياته ويتندَّرون عليها لما تفنَّن فيها وأكثر منها، فعن أبي رافع: أن رجلًا من قريش أتى أبا هريرة في حُلة وهو يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة إنك تكثر الحديثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل سمعته يقول في حُلتي هذه شيئًا؟ فقال: [والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] ما حدَّثتُكم بشيء] (٢) سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -[ص ١٠٩] يقول: «إنّ رجلًا ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حُلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة»، فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك).

أقول: متن الحديث ثابت في «الصحيحين» (٣) وغيرهما من حديث


(١) (ط): «كالتكبير» تصحيف.
(٢) هذه الزيادة من مصدر أبي ريَّة نفسه البداية (٨: ١٠٨) [١١/ ٣٧٤]. [المؤلف].
(٣) البخاري (٥٧٨٩)، ومسلم (٢٠٨٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والبخاري (٣٤٨٥، ٥٧٩٠) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.