للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحابة (١)، وشهد به جَمْعٌ من الصحابة، وأجمع عليه أهل العلم، فهذا هو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال؟

قال أبو ريَّة: (فاستشهد ميتًا، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث»).

أقول: قد تقدّم أنّ الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ويقول أحدُهم فيما سمعه من أخيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ». وكان ذلك يُفْهَم على الاحتمال بدون إيهام لاشتهار عُرْفِهم به قبل عُرْفِ المحدّثين. وقد أخذ أبو هريرة عن غيره من الصحابة في حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعَقِبَ وفاته، ثم طال عمره حتى كانت قضية هذا الحديث في إمارة مروان على المدينة وذلك في خلافة معاوية، وكان معظم الصحابة قد ماتوا، فما الذي يستغرب من أن يكون مخبر أبي هريرة قد مات؟

وقد تقدَّم بيان الأدلة الواضحة على صدق أبي هريرة وصحَّة حديثه هذا. لكن انظر إلى عبارة أبي ريَّة في قوله (فاستشهد ... كما قال ابن قتيبة ... ) ألا ترى أن هذا الخبر يُعْطِي بأن ابن قتيبة قال ذلك من عنده وأنَّه رأيه، لكنّ الواقع أن ابن قتيبة إنما حكى ذلك عن النظَّام بعد أن وصفه بما تقدّم ثم ردَّ عليه، فماذا تقول في أبي رية؟ (٢).

ثم قال ص ١٦٨: (وكان عليّ رضي الله عنه سيِّئ الرأي فيه، وقال عنه: ألا إنه أكذب الناس، أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة).


(١) (ص ٣٦٥).
(٢) وقد تقدم نحو صنيعه هذا مع ابن عساكر، ونبهتُ عليه فيما سبق، انظر (ص ٢٢٦) حاشية (٢).