للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالنسيان (١)، لكن لمّا سكت أبو هريرة عن الحديث وامتنع أن يجيبهم سألوه وغضب وقال: أبيت، فَهِمَ بعض الرواة من ذلك إنكاره، فعبَّر بعضُهم عن قول أبي سلمة: «فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك» بقوله: «أنكر أبو هريرة الحديث الأول» ولا يخفى الفرق، فقوله: «أبى أن يعرف» إنما معناه: امتنع أن يقول: نعم قد عرفت. وهذا الامتناع لا يُفْهَم منه الإخبار بنفي المعرفة. ثم جاء بعضُ مَنْ بعدهم فعبَّر عن الإنكار بنسبته إلى أبي هريرة أنه قال: «لم أحدّثْك» كما وقع عند الإسماعيلي (٢) من طريق شعيب، ولا أدري ما سنده؟ وأصل حديث شعيب عند مسلم (٣) لكن لم يسق لفظَه، وعند الطحاوي في «مشكل الآثار» (٢٦٢: ٢) (٤) وليس فيه هذه الكلمة.

وكأنَّ أبا هريرة حدَّث بالحديثين مرة، فتشكَّك بعض الناس في الجمع بينهما، فرأى أبو هريرة أنّ التحديث بهما مظنَّة أن يقع لبعض الناس ارتياب أو تكذيب، فاختار الاقتصار على أحدهما وهو الذي يتعلَّقُ به حكمٌ عمليّ: «لا يُورِدُ ممرضٌ على مُصِح» وسكت عن الآخر، وودَّ أن لا يكون حدَّث به قبل ذلك، فلما [ص ١٤٥] سُئل عنه أبى أن يعترف به، راجيًا أن يكون في ذلك الإباء ما يمنع الذين كانوا سمعوه منه أن يحدّثوا به عنه.


(١) فأما ما في صحيح البخاري [٥٧٧١] عن أبي سلمة: «فما رأيته نسي حديثًا غيره» فليس هذا جزمًا بالنسيان لهذا الحديث، وإنما استثناه لأجل احتماله النسيان كما بيّنَتْه الروايةُ الأخرى. وهذه شهادة عظيمة لأبي هريرة؛ لجلالة أبي سلمة وطول ملازمته لأبي هريرة. [المؤلف].
(٢) ذكره الحافظ في «الفتح»: (١٠/ ٢٤٢).
(٣) «الصحيح»: (٤/ ١٧٤٤).
(٤) (٢٨٩١ ــ ط الرسالة).