ثبتَ بالكتاب والسنَّة أنّ الملائكة قد يتمثَّلون في صُوَر الرجال، وقد يراهم كذلك بعضُ الأنبياء فيظنهم من بني آدم، كما في قِصّتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام ــ اقرأ من سورة هود الآيات ٦٩ - ٨٠، وقال الله تعالى في مريم عليها السلام: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: ١٧ - ١٨]. وفي السُّنة أشياء من ذلك، وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان. [ص ١٥٩] فمن كان جاحدًا لهذا كله أو مرتابًا فيه فليس كلامنا معه، ومن كان مصدِّقًا علم أنه لا مانع أن يتمثّل مَلَك الموت رجلًا ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى.
الجسد المادي الذي يتمثّل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس مِن لازم تمثُّله فيه أن يخرج الملك عن مَلَكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن مادِّيته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أرواح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا لو عرض ضربٌ أو طعن أو قطع لذاك الجسم، لم يلزم أن يتألم بها المَلَك، ولا أن تؤثِّر في جسمه الحقيقي. ما المانع أن تقتضي حكمة الله عزّ وجلّ أن يتمثَّل ملك الموت بصورة رجل ويأمره الله أن يدخل على موسى بغتةً ويقول له مثلًا: سأقبض روحك. وينظر ماذا يصنع؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت، فيكون في قَصِّ ذلك عبرة لمن بعده.
فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلًا لا يعرفه دخل بغتةً وقال ما قال، حمله حبُّ الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدّة حبِّ الحياة لتأنَّى وقال: مَن أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك.
ووقوع الصّكَّة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة:«فردّ الله عليه عينه» فحاصله أن الله تعالى أعاد