للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالكتابة مفرَّقًا في القِطَع التي بأيدي الناس كما مرّ (ص ٢٠) (١). فلما استحرَّ القتلُ بالقُرَّاء في اليمامة، وخشي أن يستحرَّ بهم في كلِّ موطن، ومِنْ شأن ذلك ــ مع صَرْف النظر عن حِفْظ الله تعالى ــ أن يؤدّي إلى نقصٍ في الطريقة الأولى؛ رأى الصحابةُ أنهم إذا تركوا تلك القطع كما هي مُفرَّقة بأيدي الناس، كان مِنْ شأن ذلك احتمال أن يتلف بعضُها، فيقع النقص في الطريقة الثانية أيضًا، ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن كلّه في صُحُف تُحْفَظ عند الخليفة، وإذا (٢) كان ذلك ممكنًا بدون مشقة شديدة، وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة فيه البتّة= علموا أنه من جُملة ما كُلّفوا به، فوفَّقهم الله تعالى للقيام به.

أما السنة: فالمقصود منها معانيها، وفواتُ جملةٍ من الأحاديث لا يتحقّق به فواتُ مقصودٍ ديني، إذ قد يكون في القرآن وفيما بقي من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت. وهي مع ذلك [ص ١٧٤] منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم (ص ٢١) (٣) فاكتفى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر، بأن يحفظ كلُّ واحد ما وقف عليه، ثم يبلِّغه عند الحاجة، ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يكن حفظ معظمها مقصورًا على القُرَّاء، بل كان جماعة ليسوا من القُرَّاء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القُرَّاء.

فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أنّ عليهم أن يصنعوا ما صنعوا مِنْ جَمْع القرآن، لم يتوفَّر لهم مثلُها ولا ما يقاربها، لكي يفهموا منه


(١) (ص ٤١ ــ ٤٢).
(٢) (ط): «وإذ».
(٣) (ص ٤٣ ــ ٤٤).