للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: ١٩]، وليس المعنى أنه لم يأت أسلافهم كما هو واضح، ولا يُفهم منه أنه لو لم يُبعث رسول فقالوا ذلك كان عذرًا مقبولًا. فكذلك لا يكون مَن هلك من أهل الكتاب قبل بعثة محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معذورًا على الإطلاق، فكذلك العرب.

وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ} إلى قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} [طه: ١٥٥ - ١٥٧]، فهذا اعتذار قطعه الله تعالى، مع العلم بأنه لو أُرْسِل إليهم رسول بلا كتاب لقامت عليهم الحجة وإن كان ذاك الاعتذار باقيًا، فكذلك مَن هلك منهم قبل بعثة الرسول وإنزال الكتاب بالنسبة إلى ما قامت عليه الحجَّة.

وأما قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} إلى قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا} [القصص: ٥٩]، فالمراد بالإهلاك هنا التدمير الدنيوي المستأصل كما يرشد إليه السياق، ثم إما أن يكون (أل) في {الْقُرَى} للاستغراق، والكلامُ على سلب العموم، وأمُّ القرى مكَّة، والمعنى: ما كان ربُّك ليدمِّر على جميع القرى حتى يبعث رسولًا في مكَّة، فَأَنْتَ ذلك الرسول. وهذا التدمير هو الموعود به عند قيام الساعة. فحاصل المعنى: ما كان ربك ليقيم الساعة حتى يبعث رسولًا في مكَّة فأنت هو. وهذا معنى صحيح لا غبار عليه.