الآحاد تكون حجة على من ثبتت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة على غيره يَلْزم العملُ بها).
أقول: عدم الثبوت والطمأنية قد يكون لسبب بيِّن، وقد يكون لسبب محتمل يقوَى عند بعض أهل العلم ويضعف عند بعضهم، وقد يكون لما دون ذلك من هوى وزيغ وارتياب وتكذيب. وعلى الأمة أن تُنْزِل كلّ واحد من هؤلاء منزلته بحسب ما يتبيَّن من حاله. وكما أننا إذا رأينا مَنْ يتعبَّد عبادة غير ثابتة شرعًا، فسألناه، فذكر حديثًا باطلًا، فبيَّنَّا له فقال: هو ثابت عندي مطمئنٌّ به قلبي= كان علينا أن ننكر عليه، وكان على وليِّ الأمر ومن في معناه منعه ومعاقبته. فكذلك إذا رأينا رجلًا ينفي حديثًا ثابتًا وبيَّنَّا له ثبوته، فقال: لم يثبت عندي ولم يطمئنَّ به قلبي، ولم يذكر سببًا، أو ذكر سببًا لا يُعتَدُّ به شرعًا.
قال:(ولذلك لم يكن الصحابة يكتبون جميع ما سمعوا من الأحاديث ويدعون إليها ... ).
أقول: قد تقدم الكشف عن هذا (ص ٢٠ - ٥٠)(١).
قال:(ولم يرض الإمام مالك من الخليفتين المنصور والرشيد أن يحمل الناس على العمل بكتبه حتى الموطأ).
أقول: إنما أنكر الإلزام بـ «الموطأ»، لأنه يعلم أنَّ فيه أحاديث أخذ بها هو وقد يكون عند غيره ما يخصِّصها، أو يقيّدها أو يعارضها، وفيه توقّف عن أحاديث قد يكون عند غيره ما يقوِّيها ويؤيِّدها، وقد يكون عند غيره أحاديث لم يقف عليها هو، وفيه كثير مما قاله باجتهاده، وفي الأمة علماء لهم أن