للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: وهذا قد عرفه أئمة الحديث، ولذلك لم يَعُدُّوا رواية الثقة لخبر عن رجل تصحيحًا ولا توثيقًا.

[ص ٢١٢] الأمر الرابع: ذَكَر أن الحكم بصحة الخبر لا ينبغي أن يُكتفى فيه بثقة الراوي، بل ينبغي أن يتقدم ذلك النظر في طبيعة الخبر وعَرْضه على أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ويقاس الغائب على الشاهد، فإذا عرف أنه ممكن نظر في حال الرواة، قال: «أما إذا كان مستحيلًا فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح».

أقول: وهذا قد عرفه الأئمة، وقدَّروا كلَّ شيء من هذا قَدْرَه. راجع (ص ١٩١) (١).

وقال ص ٣٣٤ عن ابن خلدون: (فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال: بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثًا).

أقول: هذه مجازفة قبيحة وتفريط شائن، أفما كان ابن خلدون يجد عالمًا يسأله؟ الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تُعدّ بالمئات، ومع ذلك لم يُرْو عنه إلا بعض ما عنده، لأنه لم يتصدَّ لإسماع الحديث. راجع (ص ٣٤) (٢).

قال: (ومالك رحمه الله إنما صحَّ عنده ما في كتاب الموطأ).

أقول: وهذه مجازفة أخرى، لم يقصد مالك أن يجمع حديثَه كلَّه ولا الصحيح منه في «الموطأ»، إنما ذكر في «الموطأ» ما رأى حاجةَ جمهورِ


(١) (ص ٣٦٠ ــ ٣٦٢).
(٢) (ص ٦٧ ــ ٦٨).