أقول: الذي يتحصّل من هذا أنه يرى أن القرآن وما يبيِّنه من السُّنَّة هو من الدين العام فهو مأمور بكتابته، وأما ما عداه فليس من الدين العام، فلذلك نهى عن كتابته، وتلك الخطبة من البيان فهي من الدين العام، فلذلك أمر بكتابتها.
وأقول: لا ريب أن أفعاله وأقواله وتقريراته - صلى الله عليه وسلم - التي تبيّن القرآن كانت كثيرة جدًّا، وليست قاصرة على تلك الخطبة. ثم المفهوم من كلام أبي ريَّة وما ينقله عن رشيد رضا هو أن الدين العام محصور في السُّنَّة العملية المتواترة؛ ككون الصلوات خمسًا ونحو ذلك. وأن أحكام القرآن ليست من الدين العام إلا ما تكون دلالته قطعية على فرض تسليمه بقوله. وقد نقل أبو ريَّة في أواخر الكتاب وقرّر: أن النصوص اللفظية من القرآن وغيره دلالتها كلها لفظية.
فنقول: لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة السنن العملية المتواترة، وهي من الدين العام عندك، وأمر بكتابة القرآن كله، وكثيرٌ منه أو كله ليس دلالته من الدين العام عندك. فثبت بهذا سقوط العلة التي زعمت.
[ص ٤] إذن فالعلة الصحيحة للأمر بكتابة القرآن هي ما فهمه أهل العلم هنا، وهو أن ألفاظه مع كونها مقصودة لمعانيها مقصودة لذاتها؛ لأنها كلام الله تبارك وتعالى، تعبد عباده بتلاوتها، ولها النصيب الوافر من الإعجاز، وأما غير القرآن فليس مثله في ذلك.
فأما النهي عن كتابة الحديث فقد علمت أنه لم يتحقق صحته وعلمتَ ما يعارضه.
وذكر أبو ريَّة أثرًا عن عائشة: أن أبا بكر كتب خمسمائة حديث ثم أتلفها