للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثالثًا: لا يعرف أن قريشًا كانوا جيرانًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة، ولا حلفاء، بلى كان بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم بعد الحديبية عهدٌ معروف، كان وقع التراضي فيه على أن يرد إليهم من جاءه منهم، فإن صحت القصة فلا يمكن أن تكون إلا بعد الحديبية، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاهدهم على أن يرد إليهم من يجيئه منهم، ووفَى لهم.

فإن كان استشار أبا بكر وعمر، فأشارا عليه بما فيه وفاء بالعهد، فليس في ذلك ما يكرهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والله أعلم.

فإن قيل: إنما عاهدهم على أن يردّ إليهم من جاءه منهم، وعبيدهم ليسوا منهم.

قلت: إن صح هذا، فلم يتنبّه الشيخان لهذا، فبنيا على أن العبيد داخلون فيمن وقعت المعاهدة بردّه.

ثم رأيت في «المستدرك» (٢/ ١٢٥) من طريق ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن منصور بن المعتمر، عن رِبْعي بن حراش، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم، قالوا: يا محمد! والله ما خرجوا إليك رغبةً في دينك، وإنما خرجوا هربًا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردّهم إليهم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا، وأبى أن يردّهم، وقال: هم عُتقاء الله» (١).


(١) وأخرجه من هذا الطريق أيضًا أبو داود (٢٧٠٠)، وابن الجارود في «المنتقى» (١٠٩٣)، والبيهقي في «الكبرى» (٩/ ٣٨٣) من طريق الحاكم، والفاكهي في «أخبار مكة»: (٥/ ٢٣٨) وقال في آخره: قال عبد الله: وخرج آخرون بعد الصلح فردّهم. وفي جميع المصادر «قبل الصلح» وما نقلناه عن الفاكهي يثبّته.