للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ما هو تأليهٌ لغير الله تعالى، وسيأتي بسط ذلك كلِّه إن شاء الله تعالى. والمتنصِّرون منهم لم يكونوا يعلمون أن تعليق الصليب تأليه له، في أشياء أخر ستأتي فيما بعد. والظاهر أن الذين قالوا للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "اجعل لنا ذات أنواط" (١) لم يكونوا يعلمون أن اتخاذها من اتخاذ إله مع الله تعالى.

هذا مع أنَّ من أهل العلم من لا يشترط للدخول في الإسلام الإتيان بالشهادتين أصلًا، بل يقولون: يكفي كلُّ ما يؤدِّي معنى الدخول في الإسلام كقوله: أسلمت لله، ونحو ذلك. كما حكى الله عزَّ وجلَّ عن ملكة سبأ: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: ٤٤].

وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} إلى أن قال: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣١ - ١٣٢].

ومما يدلُّ على صحَّة هذا المذهب حديث الصحيحين عن المقداد أنه قال: يا رسول الله، إن لقيتُ كافرًا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرةٍ، وقال: أسلمت لله، أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "لا تقتله"، قال: يا رسول الله، قد طرح إحدى يديَّ، ثم قال [ز ٣٥] ذلك بعد ما قطعها أأقتله؟ فقال: "لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل


(١) سيأتي تخريجه عند المؤلف في ص ٢٣٠.