ثم يكر عليها بالجواب والتفنيد. وعلى كل حال فهي تفتح أُفقًا في البحث والنظر في هذا العلم. وإن كان المؤلف لم يجب عن هذه الأسولة في هذه الورقات فقد أجاب عنها في أواخر ما وُجِد من رسالة "الاستبصار في نقد الأخبار- ضمن هذا المجموع"(ص ٥٩ - ٦٢) فإنه قال هناك: " قد يتوهَّم من لا خبرةَ له أنّ كلام المحدِّث فيمن لم يدركه إنّما يعتمد النقلَ عمّن أدركه، فالمتأخّر ناقلٌ فقط، أو حاكم بما ثبت عنده بالنقل.
وهذا الحصر باطل، بل إذا كان هناك نقل، فإنّ المتأخِّر يذكره، فإن لم يذكره مرّة ذكره أخرى، أو ذكره غيره. والغالب فيما يقتصرون فيه على الحكم بقولهم: "ثقة" أو "ضعيف" أو غير ذلك إنما هو اجتهاد منهم، سواء أكان هناك نقلٌ يوافق ذلك الحكم أم لا، وكثيرًا ما يكون هناك نقل يخالف ذاك الحكم. واعتمادهم في اجتهادهم على طرق".
ثم ذكر ثلاث طرق تكفي في الجواب عن عُظْم هذه الإشكالات هنا.
ويمكن أن يُجاب عن تلك الأسولة بجواب جُمْليّ فيقال:
لا يخلو الناظر في كلام أولئك الأئمة من حالين: إما أن يكون خبيرًا في فن الجرح والتعديل عارفًا به، أو يكون مقلِّدًا لا خبرة له فيه.
فالثاني يسوغ له تقليد إمامٍ في الفنّ كما يسوغ له التقليد في الحكم الشرعي.
والأول عنده أهليّة النظر والحكم، فينظر في حال الراوي كما نظر فيه النقَّاد قبله، فقد يوافقهم على الحكم أو يخالفهم، كما هو واضح من عمل الأئمة واختلافهم في الراوي الواحد بين مُضعِّف وموثِّق وغير ذلك.