للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت قائمة عند إطلاقهم تلك الرواية تدفع ظهور الصيغة في السماع. وقد كنتُ بسطتُ ذلك، ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه.

ولا يخالف ذلك ما ذكروه عن الشافعي أن التدليس يثبت بمرة (١)، لأنا نقول: هذا مسلَّم، ولكن محلّه حيث تكون تلك المرة تدليسًا بأن تكون بقصد الإيهام. والأمثلة التي ذكرها مسلم لم تكن كذلك، بدليل إجماعهم على أن أولئك الذين وقعت منهم تلك الأمثلة ليسوا مدلسين.

وزعم النووي في "شرح صحيح مسلم" (٢) أنه لا يحكم على مسلم بأنه عمل في "صحيحه" بقوله المذكور. وهذا سهو من النووي، فقد ذكر مسلم في ذلك الكلام أحاديثَ كثيرة زعم أنه لم يُصرَّح فيها بالسماع ولا عَلِمَ اللقاء، وأنها صحاح عند أهل العلم، ثم أخرج منها في أثناء "صحيحه" تسعة عشر حديثًا كما ذكره النووي نفسه، ومنها ستة في "صحيح البخاري" كما ذكره النووي أيضًا.

هذا، ولم يجيبوا عن تلك الأحاديث إلّا بأن نفيَ مسلمٍ العلمَ باللقاء لا يستلزم عدم علم غيره. وهذا ليس بجواب عن تصحيح مسلم لها، وإنما هو جواب عن قوله: إنها عند أهل العلم صحاح. وقد دفعه بعض علماء العصر (٣) بأنه لا يكفي في الردّ على مسلم، مع العلم بسعة اطلاعه.


(١) انظر "الرسالة" (ص ٣٧٩) للشافعي.
(٢) (١/ ١٤).
(٣) لعله يقصد الشيخ شبّير العثماني في كتابه "فتح الملهم بشرح صحيح مسلم": (١/ ١٠٩ و ٤٠٢). فإنه أشار إلى مثل ذلك.