للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحل الإشكال من أوجه:

الأول: أنَّ الظاهر من حال الكافر والفاسق الذي يُعرف بتحرِّي الصدق أن المانع له من الكذب الخوف من الناس، وحبُّ السمعة الحسنة بينهم، وعلى هذا فهذا المانع إنّما يؤثر في الأخبار التي يخافُ من اطلاع الناس على جَليَّة الحال فيها، فلا يُؤمن ممن هذا حاله أن يكذب إذا ظن أنه لا يُوقَفُ على كذبه.

فالعدل في خبر هذا أن نتبيّن [ص ٦] فيه، فإن ثبت بدليل موثوق به أنه صَدَق عُمل به لذلك الدليل، وإلا اطُّرح لعدم الوثوق به حينئذٍ.

الوجه الثاني: أنه لا يُسْتنكر من الشارع أن لا يعتدّ بصدق مثل هذا؛ لأنه ليس بصدقٍ يحمده عليه الشارع؛ إذ الباعثُ عليه هو رئاء الناس كما علمت.

الوجه الثالث: أنه لو فُرِض أنه يحصل من الوثوق بخبره كما يحصل بخبر المسلم العدل، فقد يكون الشارع جعل كفرَ هذا الرجل أو فسقَه مانعًا من قبول خبره في الدين؛ زجرًا له، وعونًا له على نفسه، لعله يستنكف من تلك الحال فيتوب، ورفعًا لتلك المرتبة العليّة ــ وهي أن يُدان بخبر الرجل ــ عمن لا يستحقها.

الوجه الرابع: أن السبب الباعث على الحكم قد يكون خفيًّا، أو غير منضبط، فإذا كان هكذا فلو كلَّف الشارعُ الناس ببناء الحكم عليه كان في ذلك مفاسدُ، منها: أنه من باب التكليف بما لا يطاق، ومنها: أنه فتحٌ لباب اتباع الهوى، ولكثرة الاختلاف، ولاتهام الحكام، وغير ذلك.

فاقتضت الحكمةُ أن يبني الشارعُ الحكمَ على أمر آخر يشتمل على