[ص ٣٥] وقد يقال ــ إن صح الخبر ــ: لعلّ هؤلاء لم يشهدوا تبوك، وإنّما ترصَّدوا قدومَه صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك، فالتقوه ببعض الطريق لمَّا هموا به. ومع ذلك ففي الخبر أن حذيفة عرف هؤلاء.
هذا، وقد سبق أن الظاهر أنّ من بقي من المنافقين لم يُرْوَ عن أحدٍ منهم شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا الأعراب فقد تمّ امتحانهم بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فَمَن ثبت منهم على الإسلام فقد ثبتت عدالته، ومن ارتدّ فقد زالت، فمن عاد بعد ذلك إلى الإسلام فيحتاج إلى عدالة جديدة.
وأمّا الطُّلقاء فقد شملتهم بعض الآيات كما عرفتَ، ولم تقع منهم ردّة.
ولو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن مَنْ تأخَّر إسلامُه وقلَّت صحبتُه يحتاج إلى البحث عنهم لكان لقوله وجهٌ في الجملة. وأوجه من ذلك مَنْ كان من الأعراب، ويحتمل أنّه ممن ارتدّ عقب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما من عُلِم أنه ممن ارتدّ فالأمر فيه أظهر.
هذا، وقد كان العرب يتحاشَون من الكذب، وتأكَّد ذلك فيمن أسلم، وكان أحدهم ــ وإن رقَّ دينُه ــ لا يبلغُ به أن يجترئ على الكذب على الله ورسوله، وكانوا يرون أنّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون، وأنه إن تجرَّأ أحدٌ على الكذب افْتُضِح.
[ص ٣٦] ولو قال قائل: إنّ الله تبارك وتعالى منعَ القومَ مِن تعمُّدِ الكذب على نبيه عليه الصلاة والسلام بمقتضى ضمانه بحفظ دينه، ولا سيّما مع إخباره بعدالتهم لَمَا أبْعَد.