على ما سمعت آنفًا، ويزاد على ذلك احتمال أن يكون ما في السنَّة والإجماع مَبْنِيًّا على الظاهر أن مَن أصرَّ على الكفر بعد بلوغ الدعوة وطول الإنذار مع ظهور حجج الحق وضعف شبهات الكفار فهو إما معاندٌ أو مقصِّرٌ.
وقول العضد:"إذ يُعْلَمُ قطعًا إلخ" مردودٌ عليه، بل لنا أن نقول: المعلوم خلافه، ولنا على ذلك حجج: منها: ما أسلفنا أنهم كانوا قائمة عليهم الحجة قبل البعثة لتقصيرهم، فما ظنك بهم بعدها؟
ومنها: ما أسلفناه (١) فيما يلزم مَنْ بلغه بعثة نبيٍّ.
ومنها: أن شبهات الكفار كانت ضعيفةً، مَنْ تأمَّلَهَا عَرَفَ أنه لا يتفكر فيها عاقل إلا بان له بطلانها أو ضعفها، فَمَنْ لم يكن منهم تفكَّر فيها قبل البعثة فلا ريب أن خبر البعثة يدعوه إلى التفكُّر فيها، فإن لم يفعل فهو مقصِّرٌ؛ وإن تفكَّر فلا بدَّ أن يظهر له ضعفها إلا أن يُقَصِّر في النظر لما غلب عليه من الغرام بما أَلِفَ واعتاد وأدرك عليه الآباء والأجداد فهو مقصِّرٌ. ومَن نظر ولم يقصِّر ظهر له ضعفها فلا بدَّ أن يرجو أن يجد عند النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ما هو خير منها. هذا إن لم يبلغه هنا ما يورث علمًا أو ظنًّا بصدقه، فإن لم يَسْعَ ليعرف ما عند النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فهو مقصِّر، وإن تعرَّض لمعرفتها ولكن هواه وغرامه بما كان عليه هو وآباؤه واستكباره عن أن يقبل الحق حالت بينه وبين أن ينظر حق النظر فهو معاندٌ مقصِّرٌ أخذ من كلٍّ منهما طرفًا.
وإن نظر مخلصًا للحق راغبًا فيه حريصًا على إصابته فإننا بما نعلم من ظهور حجج الحق وَوَهَنِ شبهات الشرك نعلم أنه لا بدَّ أن يتبيَّن له صدقُ الرسول أو على الأقلِّ يتبين له أنَّ ما يدعو إليه الرسول خيرٌ من الكفر، فإن لم