للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يصح أن يكون حالًا من الفاعل والمفعول معًا، فيدخل فيه أن المتبوع يحمل من أوزار مَن تَبِعه وإن لم يعلم بأنهم يتَّبِعونه، كما أنَّ ابن آدم الأول لم يكن يعلم بمن سيستنّ به في القتل.

وليس ما تقدَّم بمخالفٍ لقول الله عز وجل: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨]. وما في معناها؛ لأن التحقيق أنَّ المتبوع إنما عُذِّب بوزره. وبيان ذلك: أنّ أصل الإثم في المعصية مَنوطٌ بتعمّدها، وأما زيادة قدره فمَنوطٌ بما ينشأ عنها من المفاسد. ألا ترى لو أنّ ثلاثة صوبوا بنادقهم إلى ثلاثة قاصدين [ص ٥٣] رميهم، ثم أطلقوا بنادقهم، أنّ أصل الإجرام قد وقع من كلٍّ منهم، وأما زيادة مقداره فموقوف على ما ترتَّب على ذاك الفعل، فلو أخطأ أحدهم، وأصاب آخر فجَرَح، وأصاب الثالث فقَتَل، لكان جرم الثالث أغلظ من جرم الثاني، وجرم الثاني أغلظ من جرم الأول.

وقد حرّم الله عز وجلّ ما حرّم ولم يفصِّل ما يترتَّب على المحرَّمات من المفاسد، فمن علم بالتحريم ثم أقدم على الفعل، فقد التزمَ ما يترتَّب عليه من المفاسد، فدخلت كلُّها في وِزْره وإن لم يعلم بتفصيلها، فتدبّر.

هذا وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل يقول: "وغفرت له ما لا يعلمون" ظاهرٌ في أن شهادتهم إنما تنفع إذا كانت مطابقةً لعلمهم لأنه إنما يغفر له ما لا يعلمون، فإن كانوا علموا شرًّا فكتموه، وقالوا: لم نعلم إلا خيرًا أو نحو ذلك، لم ينفعه ذلك، بل يضرهم؛ لأنهم شهدوا زورًا.

وبناءُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الحكم على ثناء الناس بقوله: "وجبت" صريحٌ في أن الذين أثنوا كانوا عدولًا عنده صلى الله عليه وآله