للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما من كان الغالب عليه المعصية، فإنه ما دام على ذلك لا تتحقق له توبة.

وفي كتب الفقه ما يوضّح هذا، وهو أن يشترط في قبول من ظهرت معصيته وتاب منها: أن تظهر توبته بأن تمضى مدةٌ يظهر منه فيها الندم على تلك المعصية، والامتناع عن العَوْد إليها، حتى يكون الظاهر أنه لن يعود.

أقول: والظاهر أنه يُغْتَفر لمن عُرِفت عدالته، وظهرت استقامته من الرواة ما قد يقع منه مما يكون الظاهر أنه وقع فلتة. فقد حكى وكيع قصةً لأبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي مع الأعمش، وفيها: أن أبا حصين قذف الأعمش [فحلف] ليحدّنّه، فكلّمه فيه بنو أسد. القصة (١).

والقذف كبيرة، ولاسيَّما لمثل الأعمش، ولكن لم يجرح أحدٌ أبا حصين بهذا، بل وثقوه، وأحسنوا الثناء عليه، فكأنهم حملوا هذا على أنه فلتة جرى على لسان الرجل عند الغضب. والظاهر أنه تاب في الحال؛ لما عُرِف من فضله وصلاحه قبل ذلك وبعد.

وجاء عن أبي داود الطيالسي عن شعبة: أنه سمع أبا الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُس غاضَبَه إنسانٌ، فافترى عليه. يريدُ: فَقَذَفه (٢).

لكن عندي في صحة هذا وقفة، فقد جاء عن أبي داود الطيالسي مثل


(١) القصة في "تاريخ دمشق": (٣٨/ ٤١٣)، و"السير": (٥/ ٤١٥).
(٢) القصة في "تهذيب الكمال": (٦/ ٥٠٣) و"تهذيب التهذيب": (٩/ ٤٤٠). وانظر ما سلف (ص ٤١).